الحمد لله
على من ابتلي بوسواس في الطهارة أو غيرها أن لا يلتفت إليه ، وأن لا يعدل عن يقين الطهارة بمجرد الشك .
فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال : (شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاةَ قَالَ لا حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رواه البخاري (2056) ومسلم (361) .
قال النووي رحمه الله :
"هَذَا الْحَدِيث أَصْل مِنْ أُصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ قَوَاعِد الْفِقْه , وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاء يُحْكَم بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولهَا حَتَّى يُتَيَقَّن خِلَاف ذَلِكَ . وَلَا يَضُرّ الشَّكّ الطَّارِئ عَلَيْهَا" انتهى .
"شرح النووي على مسلم" (4/49) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"هذا الحديث الذي أفتانا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع ، وهي أن اليقين لا يزول بالشك ، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان ، فما دامت الطهارة متيقنة فإنها لا تزول بالشك ، وما دامت باقية فإن الأصل بقاؤها حتى يثبت زوالها . وفي هذا الحديث راحة للإنسان وطمأنينة للنفس حيث يبقى بعيداً عن الوساوس والشكوك ؛ لأنه بهذا الحديث يطرح الشك ويبني على ما استيقن وهي الطهارة" انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" (119/56) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عما إذا توضأ وقام يصلي وأحس بالنقطة في صلاته : فهل تبطل صلاته أم لا؟
فأجاب : "مجرد الإحساس لا ينقض الوضوء ؛ ولا يجوز له الخروج من الصلاة الواجبة بمجرد الشك . وأما إذا تيقن خروج البول إلى ظاهر الذكر فقد انتقض وضوءه وعليه الاستنجاء ، إلا أن يكون به سلس البول فلا تبطل الصلاة بمجرد ذلك إذا فعل ما أمر به" انتهى . "مجموع الفتاوى" (21/219-220) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"إذا كان الإنسان متطهرا ثم شك في طرو الحدث عليه فلا تأثير لشكه في طرو الحدث على الطهارة السابقة" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/281) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"لا ينبغي للمؤمن أن يلتفت إلى هذه الوساوس ; لأن هذا يجرئ عليه الشيطان , والشيطان حريص على إفساد أعمال بني آدم , من صلاة وغيرها . فالواجب الحذر من مكائده ووساوسه , والاتكال على الله , وحمل ما قد يقع له من الوساوس على أنه من الشيطان , حتى لا يلتفت إليه , فإن خرج منه شيء عن يقين من دون شك أعاد الاستنجاء , وأعاد الوضوء , أما ما دام هناك شك ولو كان قليلا فإنه لا يلتفت إلى ذلك ; استصحابا للطهارة , ومحاربة للشيطان" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (10/123) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
إذا توضأ رجل ثم ذهب للصلاة وشك في وضوئه أثناء الصلاة أو بعدها فما العمل ؟
فأجاب : "إذا توضأ الإنسان بيقين وأكمل الطهارة ثم حصل له شك بعد ذلك هل انتقض وضوءه أم لا فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك ؛ لأنه متوضئ بيقين ، واليقين لا يزول بالشك" انتهى . "المنتقى من فتاوى الفوزان" (79/9) .
أما قول ابن المبارك : فقال أبو عيسى الترمذي رحمه الله في "جامعه" (1/127) :
" قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : إِذَا شَكَّ فِي الْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ اسْتِيقَانًا يَقْدِرُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ " انتهى .
فهذا بيان للمعنى السابق وهو عدم الالتفات إلى الشك مهما كان قوياً ، حتى يتيقن ذلك .
وهذا يشبه ما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في كتاب "الأذكياء" (ص 31) أن
رجلاً جاء إلى أبي حازم فقال له : إن الشيطان يأتيني فيقول إنك قد طلقت زوجتك فيشككني ! فقال له : أوليس قد طلقتها ؟ قال لا . قال : ألم تأتيني أمس فطلقتها عندي ؟ فقال والله ما جئتك إلا اليوم ، ولا طلقتها بوجه من الوجوه . قال : فاحلف للشيطان إذا جاءك كما حلفت لي وأنت في عافية . انتهى .
والخلاصة :
أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على اليقين وهو الطهارة ولم يلتفت إلى هذا الشك .